دراسة في أسماء حبيبات الشعراء
كلّ شاعر يغنّي على ليلاه
بقلم : محمود غانمي سيدي بوزيد - تونس
يجد قارئ النسيب والغزل في الشعر العربي متعة هائلة
وروعة جارفة، إذ الشعراء يتغنّون بجمال حبيباتهم وجمال الكون والطبيعة، ويقحمون
اسم الحبيبة واسم المكان والمخلوقات لتكتمل صورة الحسن والجمال. فتجد نفس القارئ
ما يحرّك سواكنها وتخفق القلوب ويختلج الوجدان، كلّ ذلك إجلالا لحسن شعر الغزل لما
فيه من حلاوة وطلاوة في الأسماع والأذهان لا تقلّ عن حلاوة العسل في الحلق!!
ولعلّ هذه الانفعالات
والخلجات هي التي دفعتنا لدراسة أسماء حبيبات الشعراء من خلال شعر النسيب والغزل
لأنّ للاسم أهمّية في وصف الكائن ونعته وردّه للبيئة الاجتماعيّة ونواميسها. حيث
:" يبدو أنّ الجاهليين ـ مثلا ـ يجعلون أسماء هم عن إدراك ومغزًى نابعين من تلك البيئة تلمّسا لتحقيق التوافق والتناغم
وإرضاء للطّبع والموروث من التناولات والاعتقادات الدينيّة والخرافيّة".(1)
ولئن كانت أسماء الرجال عند العرب القدامى تتوفّر على
قدر كبير من معاني الفروسية والرجولة والقوّة والفحولة فإنّ أسماء النساء فيها من
دلالات اللّيونة والنعومة والطّيب والرفق والجمال والأمومة بل لنقلْ الأنوثة
والدّلال ...
ودراستنا هذه سنركن فيها إلى
العرض والوصف والبسط أكثر من التحليل والتعمّق لأنّ طبيعة الموضوع تستدعي ذلك. وقد
اعتمدنا غالبا المدوّنة الشعريّة القديمة لأسباب جماليّة شعريّة !!
وتبقى قصيدة الغزل أكثر أغراض الشعر جماليّة وإمتاعا للنّفس البشريّة ومن هنا " تأخذ
القصيدة الغزليّة ـ والنسيب ـ مكانة متميّزة فسوف تظلّ واحدة من النقاط التي
يقبلها الاتجاه القديم ويتمسّك بها
وينمّيها الاتجاه الحديث ولكن مع بعض الفوارق التي تتعلّق بنوع المشاعر المستعارة
أو المنبثقة من ذات الشاعر ووظيفة الغزل الاستقلاليّة أو التمهيديّة وقيمة الصورة
المبتكرة أو المقلَّدة ودور اللّغة الجميلة الرئيسيّ أو دورها الثانوي ثمّ دور
العناصر النفسيّة الأخرى كالفكر والشعور ودور
عناصر الجمال الثابتة في الكون مثل عناصر الطبيعة وعناصر الطير والحيوان
والخمر ومحاولة مزج هذه العناصر كلّها أو بعضها".(2)
ليلـى:
عند استقرائنا لأسماء المرأة /الحبيبة في شعر النسيب والغزل وجدنا غلبة لاسم
ليلى ولا ندري السبب في ذلك غير المثل العربي الذي رسّخ في أذهاننا اسم ليلى وهو
" كلّ شاعر يغنّي على ليلاه "
ومن هذا المنطلق سمّينا دراستنا للمسألة بهذا العنوان. فالحبيبات كلّهنّ ليلى من
حيث الرّمز للمرأة المحبوبة.
ولعلّنا نُرجع ذيوع اسم ليلى
في شعر الغزل أكثر من غيره لارتباط الإنسان العربي القديم بالّلّيل وكذلك الشعر
العربي قديما وحديثا يحتفي باللّيل ربّما لأنّه فضاء للخلوة بالنفس أو بالحبيبة أو
بالخمرة بل لعلّه زمنٌ محبوب للعاشق والمتعبّد و المتزهّد. فكلّ يمارس فيه الطقوس
التي يريد. وإنّك أيّها القارئ واجدٌ كثيرا من الأمور تسمّى وتُنسَبُ إلى اللّيل
مثل : "ليلى الخمر" أي نشوتها وبدء سُكْرِها . و " اللّيليُ"
الذي يحب سُرَى اللّيل ويقالُ "رجلٌ
ليليّ"...
ولَوْ بحثنا في معنى اللّيل في الدين والفكر والأدب لوجدنا في شأنه صفاتٍ
حسنةً وأخرى سيّئةً ولكنّ مجال البحث هنا
لا يسمح.
إنّ تغنّي الشعراء باسم " ليلى " له دلالات على احتفاء العرب
بهذا الاسم أكثر من غيره
.
يقول دعبل الخزاعيّ متحدثا عن نفسه أو عن شاعر آخر محب لليلى:
ولما أبى إلاّ جِماحًا فــــؤادُهُ
|
|
ولمْ يَسْـلُ عَنْ ليلـى بمالٍ ولا أهــل
|
تسَلّى بأخـرى غيرهـا، فإذا التي
|
|
تسلّى بهـا تُغْري بليْلـى ولا تُسْــلي
|
إنّ ليلى وهي حبيبة الشاعر لم
يعوّضه عنها لا مال ولا أهلٌ لأهمّيتها في قلبه بل إنّ كلّ امرأة غيرها لا تعوّضها
لأنّ صورة ليلى تمحو صورة كلّ امرأة من ذهن الشاعر.
وقال شاعر آخر:
ونُبِّئْتُ ليْـلى أرْسلتْ بِشفاعــةٍ
|
|
إليَّ فهَـلاّ نفـسُ ليْــلى شفيــعُها
|
أأكْـرمُ من ليْـلى عليّ، فتبْتـغِي
|
|
بِهِ الجـاهُ ، أمْ كنت آمـرءًا لا أطيعها؟
|
تبدو ليلى مثلها مثل كلّ حبيبة
مدلّلة قاسية مع حبيبها تبخل عليه أو تتكرّم أحيانا. ويظلّ الشاعر مذنبا ينتظر
الشفاعة من حبيبته !!
وإنّنا لنجد ليلى الأخيليّة وهي شاعرة محبوبة من قبل الشعراء.
يقول توبة بن الحميّر:
ولوْ أنّ ليـلى الأخَـيليّة سلَّـمتْ
|
|
عليَّ ، ودونــي تربـة وصفـائـحُ
|
لسلّـمتُ تسليم البشاشـة أو زَقََا
|
|
إليها صـدًى من جانـب القبر صائح
|
وإنّك أيّها القارئ واجد اِسم ليلـى العامريّة أيضا . يقـول نُصيب:
كأنّ القـلب ليلة قيـل يُـغـدى
|
|
بلــيلـى العامــريّة أو يُـــراحُ
|
قَطاةٌ غـرّها شَركٌ، فبَـــاتَـتْ
|
|
تُجَـاذِبــهُ، وقـد علـق الجَــناحُ
|
شبّه نُصيبُ قلبه المتألّم / المتصدّع لفقد ليلى العامريّة بطائر القطاة
وهو واقع الجناح في الشرك، فالشاعر مكسور الوجدان لفقد حبيبته.
وها هو نُصيب يشكو من حبيبته ليلى العامريّة ذاتها:
أأتْرُك ليْــلى ليس بــيني وبينها
|
|
ســوى ليـلةٍ، إنّـي إذا لصبــورُ
|
عفا اللّه عن ليلى الغداةَ، فإنّــها
|
|
إذا وَلِـيتْ حُـكْـمًَا عَـليَّ تَجـور
|
وليس كلّ ليلى جائرة مع حبيبها أو مكدّرة حبّ
حبيبها بل قد نجدها صافية السريرة مطواعة على الرغم من الوشاة. وقد تدوم على ذلك
أو لا تدوم.
يقول معدان بن المضرّب العبديّ:
صفَا ودّ ليلى ما صفا، ثمّ لم نطــع
|
|
عــدوًّا، ولم نَسْمَعْ بهِ قيــل
صَاحِبِ
|
فلـمّا تولّى ودّ ليــلى لجــانب
|
|
وقوْمٍ، تولّـيْنا لقـومٍ وجــانِـــبِ
|
وتبقى ليلى الحبيبة محبوبة أبدًا فهي لا
تحبُّ صبيّة كاعباً حسناء بل يبقى حبيبها متعلّقا بها حتّى وهي عجوز تدبّ على
العصا. يقول شاعرٌ:
يقول العدى،لا بارك الله في العـدى
|
|
قدْ أقصر عن ليلـى، ورثّت وسائِلُهْ
|
ولو أصبحت ليلى تدبُّ على العصا
|
|
لكـان هوى ليْلى جـديدا أوائـلُهْ
|
وقد تبدو ليلى أحيانا في موضع الضعف ، فهي
محتاجة لحبيبها وحنينه وكرمه، يقول مهاجرٌ بن عبيد الأسْديُ:
أحنّ إلى ليلى ، وأحسب أنّـنــي
|
|
كريـمٌ على ليلى وغــيري كريمها
|
وقد تبدو لنا ليلى كناية عن الأرض أو الأمّ أحيانا أكثر منها اسما للحبيبة
الصرف، بل لعلّها كناية عن القبيلة !! يقول شاعر:
وعُلِّقَتْ ليلى وهي ذات ذوائـبَ
|
|
تردُّ علينا بالعـــشيّ المرامــيا
|
فشبَّ بنو ليلى وشــبّ بنو ابنها
|
|
وأعـلاقُ ليلى في الفـؤاد كما هيا
|
وليس الزمن وحده هو العنصر الذي يمزج مع صفات الحبيبة واسمها وإنّما يمكن
أن تتنزّل ليلى/ الحبيبة في جوّ مفعم بمشاعر الرّحيل وسواد الليل وبريق النجوم .
أليست ليلى سَمِيَّةَ الليل؟!
يقول البعيثُ:
أزارتك ليلى والركاب خواشـعُ
|
|
وقد بهر الليلَ النّجومُ الطّوالعُ
|
ولعلّ أشهر من تغنّى بليلى
وحبّه لها ووصف جمالها هو قيس بن ذريح وهو صاحب لبنى أيضا وسيأتيك قوله في "
لبنى" لاحقا لكن دعنا مع قوله في
ليلى :
مضى زمنٌ
والنّاسُ يستشفعون بي
|
|
فهل لي إلى ليلى الغــداة شفيــع؟
|
ولعلّ أشهر من الشاعر السابق مجنون ليلى قيس
بن الملوّح الذي ذاعت شهرته في الغزل العربي البدوي العذري المتعفّف على الرغم
ممّا نجده في أشعاره من نٌبَذٍ في المجون والتهتّك مع حبيبته إذ يقول:
تذكّرت ليلى و السنين الخـــواليا
|
|
وأيّام لا نخــشى عن اللّهو ناهـــيا
|
بثمّدين لاحــت نارُ
ليلى وصحبتي
|
|
بذات الغـضا تـزجي المـطيَّ النّواجيا
|
ولكن تظلّ
ليلى المرأة المحبوبة التي تقابل عاشقها بالصدّ والهجر والإعراض ففي قول
كُثير بن عمرو الهلالي دلالة على ذلك وعلى تذلّل العاشق في حضرة ليلى:
تصدّت لنا ليـلى الغـداةَ
تعــمُّدًا
|
|
لنـزداد حزنا بــعد طول ضمــان
|
ولـو قنـعـت ليـلى لنا بالذي بنا
|
|
من الشّـوق والوجــد القديم
كفـاني
|
ويظلّ أيضا بين ليلى وحبيبها حصار القبيلة لهما ومنعها للقائهما معا حيث يستغلّ
العاشق رجوع ليلى لحبها ولحمى القبيلة التي تحرّم اتصال الأحبّة.
يقول السّمْهَرِيُّ:
وبـــادر بليلى أوبة الحيّ
إنّهــم
|
|
متـى رجـعوا يُحْرمْ عليــك
كلامها
|
كأنّ وميـض البرق بيني و بينــها
|
|
إذا حان من بعدِ الهُدوّ ابتسامُــــها
|
ومن الشعراء المحبّين من تتعفّف نفسه إلى حدّ بعيد فلا يشوب حبّه تهتُّك أو
استهتار بعرض حبيبته بل يسعى إلى التستّر وعدم التعريض بحبيبته فهو أحيانا يمنع
نفسه من البكاء حتّى لا يكون دمعه طالع سرّه مع حبيبته فقد خاطب ابن سماعة الأسدي
ليلاه قائلا :
أحبّـك يا ليلى على غيـر ريبــة
|
|
وما خـير حبٍّ لا تعــفّ
سرائــره
|
أحبّك حبا لا أُعـنَّفُ بــعــده
|
|
مُحِــبًّا ولكنّــي إذا لِـيمَ عـاذره
|
أكـفكف دمعـي أن يكـون طليعة
|
|
على سـرّ نفســـي حين ينهلّ
قاطِرُه
|
لعمري لقد كانت ليلى أحلى
اسم تعلّق به الشعراء وإلاّ فما بالُ شعراء كُثُرٍ يتعلّقون بها ؟ بل إنّ ليلى
تظلّ في زعمنا أسطورة أو كناية لكلّ امرأة
جميلة معشوقة، فهاك أيّها القارئ هذا البيت الشعريّ الذي لم نعلم قائله:
بالله يا ظَبَيَـاتِ القاعِ قُلـن لهــا
|
|
ليْـلاي منكُــنَّ أم ليــلى من
البشر
|
ألست ـ أيّها القارئ العزيز ـ واجدًا الشاعر
ينسب ليلى إلى كائنات هي مرجع في الجمال والرّقة وهي الغزلان أو الظبيات حتّى أنّه
يشكّك في نسبتها للبشر فسبحان الله يا ليْلى !!
إنّني أظنّ ـ وفي الظنّ كثير من اليقين ـ أنّ
اسم ليْلى شغل أهل الأدب والفنّ إن لم نقل الناس جميعا حتّى أنّك واجدٌ المغنّين
والمطربين في عصرنا كلّ يغنّي على ليْلاه إلاّ القليل منهم !!!
ومهما يكن اسم ليْلى قد أخذ نصيب الأسد من
اهتمام الشعراء وأسر قلوبهم فثمّة أسماء أخرى لحبيبات جميلات من حيث أسماؤهنّ.
ولهذه الأسماء دلالات فيها كثير من الرقّة والنعومة والدلالة على معنى الحياة.
وقلّما تجد أيّها القارئ
اِسما من أسماء حبيبات الشعراء فيه فظاظةٌ وغلظة وشدّة. حيث لم نرَ إلاّ اسم
" خرقاء " على حدّ اطلاعنا.
ولأنّ الحسن والجمال معقودٌ
بأسماء النساء أو النّساء ذاتهنّ فقد دلّت أسماؤهنّ صراحة أو ضمنا على معاني الرقّة
والنعيم والرفق والعزّة والعلوّ...
وها هو شاعرنا الفذّ الفحل وشاعر
الوطن بامتيازٍ ـ والذي علّقوا على باب إمارته الشعريّة تهمة شاعر المرأة !!!ـ
نزار قبّاني طيّب الله ثـــــــراه في قصيدته
" فمٌُ" يكشف ما
لآسم الحبيبة من حلاوة في الفم ودغدغة
للرّوح والقلب:
اِسمـها في فمي ... بكاءُ النّوافيــر
|
|
رحيـل الشــذا ...حقول الشقيـق
|
حزمـة من توجّـع الرصـد.. رفٌّ
|
|
مــن ســنـونو يهـمّ بالتحليـق
|
كنهـور الفيروز يهـدر فـــي روحــي و ينساب في
شعـــوري العميـق
|
||
اِسـمها... ركضةُ النبيـذ بأعصابي
|
|
وزحـفُ السّـرور طـيّ عُروقــي
|
اِسْمك الحلو .. أي دنيا تُـناغــيني
|
|
وتهـدي إلـى النبـوغ طريقـــي
|
إنّ نزار قبّاني يكنّي عن فعل الاسم الجميل
وتأثيره في كيان المحبّ وهو حتما يفتح لنا أفقا في فهم دلالات أسماء حبيبات
الشعراء أكثر رحابةً، ربّما يكون أوسع من أيّ عبارة نقولها وهو لا شكّ كذلك !!!
أمــيمَ :
وفي البدء كانت الأمّ وكانت أمَيْمَ أو أمَيْمَة.
وما أكثرها ـ أيّها القارئ ـ مفاجأة اللغة التي ترى في باطنها ما لا تراه
في ظاهرها. أليست الأمّ رمزًا للحنان والحياة والتجدّد والوجــود؟!!
لكنّ اسم أميمة هو تصغير للأمّ
أوّلا وهو كذلك ـ ويا أسفاه ـ الحجرة المحدّدة تُشْدَخُ بها الرؤوس وجمعها أمائم
مطرقة الحدّاد!!
يقول ابن الدّهينة:
أمَيْـمَ، لقد عنّـيتِـنِي وأريتـنـي
|
|
بدائـع َ أخـلاقٍ لهــنّ ضُــروبُ
|
صدودا و إعــراضا كأنّّـي مذنبٌ
|
|
ومـا كان لي إلاّ
هـواك ذنـــوبُ
|
كأنّ قدر العاشق أن يظلّ يشكو جور حبيبته لأنّ حبيبته أُمَيْمَ تصدُّهُ
وتعرض عنه.
والشعراء حين يصفون حبيباتهم لا
يجدون غير إطلاق معنى الجمال.
بثينـــة:
يقول جميل بثينةَ:
بثينـةُ مـا فيـها إذا ما
تبُصّــرت
|
|
مَعَابٌ، ولا فيـها إذا
نُسِبَــتْ أَشْبُ
|
إذا ابتذلـتْ لم يُزْرِها تَرْكُ
زينـــةٍ
|
|
وفيها إذا ازدانت لذي نِيـقةٍ
حسْـبُ
|
ولكنّنا واجدون من الشعراء من يشكو من بثينةَ. يقول شاعرٌ:
بثينــةُ مـن آلِ النّساء وإنّــما
|
|
يكـنّ لأدنـى لا وصـال لغـائب
|
يخــنّ البرئ المطمئـنّ فــؤاده
|
|
ويحلفن أيْمـانًا وهنّ كـــواذبُ
|
ولكن يبقى جميل وهو الذي يسمّى بحبيبتــه بثينة أكثر الشعراء شهرة بها يقول
في مناسبتين :
ألا هل لعـهدٍ من بثينة قد خـلا
|
|
وأورث شجــوا لا يريـمك مـن ردِّ
|
فـلا تكثـرا لومي فما أنا بالذي
|
|
سننت الهوى في النّاس أو ذقــته
وحدي
|
وها هو جميل يستعطف بثينة ليظهر حبّه ووفاءه لها :
بُثيْـنُ سلـيني بعض مالي فإنّـما
|
|
يبَيَّـنُ عند المـال كلّ بخــيل
|
جُــمْــلُ:
اِسْــمُ جُمْل يعني الجَملَ
والقلْسَ وهو حبل السفينة.
ومن الصدف الجميلة أن يلتقي اسم " جُمْلٍ " بجميل حيث يقول جميل:
ألا أيّـها الرّبع الذي غيّر البــلى
|
|
عفـا وخَلا من بعـد ما كان لا يخـلو
|
تذاءَبَ ريحُ المسـك فيه و إنّـما
|
|
به المسك إذ جرّت به ذيلـها جُمْــلُ
|
جِنَــــانُ:
هذا الاسم هو من الجَنَّة وهي
الحديقة ذات الشجر أو الفردوس الأرضي أو
السّماوي .وجنان جمع جنّةٍ. فالمرأة الحبيبة صاحبة هذا الاسم قد لا تعكس من خلال
سلوكها مع حبيبها ما يدلّ عليه اسمها من نعيم واطمئنان وراحة، فها هو أبو نوّاس
الحسن بن هانئ شاعر الخمرة يقول:
جِـنان تسبّـُني ، ذكرت بخــيرٍ
|
|
وتزعــم أنّني مَــلِقٌ خَبيــثُ
|
ولي قـلب ينازعـني إليــــها
|
|
وشـوق بين أضـلاعي حَثِيــثُ
|
حَيَــاةُ :
اِسمُ حياة فيه إنعاش للرّوح ففيه أمل لاستمرارية الوجود وحفظ المخلوقات
وفيه معنى الارتواء والتجدّد. وأكثر ما يستعمل هذا الاسم في الكناية على هذه
المعاني أكثر منه تصريح باسم معشوقة بذاتها.وَإِخَالُ أنَّ ذلك غائب فيما قرأنا
من الغزل.
لكنّ كاتب هذه السطور نحت اسم حياة كناية عن حبّه لامرأة مسمّاة بهذا
الاسم، إذ يقول:
أحبك لا محـالة يـا حيــاتــي
|
|
أمـام النّاس أعلنـــها جهـــارا
|
أأكتـم صوتَ حُـبّك ِ فـي فؤادي
|
|
وأطـفئُ شعْــلة فــيه ونــارا
|
سأوغـلُ فـي المحبّــة فيـك حتّى
|
|
أعيد لنا براءتـــنا صغــــارا
|
أحـبّك كـيْ
أرى النّكساتِ نصْرا
|
|
وأجــعل من هزائمنــا انتصـارا
|
خَرْقَـــاءُ :
|
|
|
اِسم خرقاء فيه من دلالات سلبية في الأغلب فمعناه
الحمقاء وهي مؤنّث الأخرق والخرقاء من الأرض الواسعة تتخرّق فيها الرياح. والخرقاء
من الرياح التي لا تدوم على جهتها في هبوبها. والخرقاء من الغنم التي في أذنها ثقب
واسع مستدير.
هذا ما تكشفه الشروحات اللغويّة فماذا عن الشعراء؟
يقول ذو الرمّة في مجلس لبني طهيَّة منشدا:
كأنّــي مـن هوى خرقَـاء مُطرّفٌ
|
|
داهــي الأظلّ بعيـدُ الشَّأْوِ
مَهْيُومُ
|
وقال آخــر وقد يكون ذو الرمّــة نفسه:
خليليّ أمسى حبّ خرقاء عامدي
|
|
ففي القلب منــه وَقْرَةٌ وصدوعُ
|
ولو جاورتنا العامَ خرقــاء لم
نُبَلْ
|
|
على جدبنــا ألاّ يَصُـوبَ ربيعُ
|
خولــةُ :
اِســم خولة من الخول ويعنـي عطيّة الله من النِّعَمِ والخدم والحاشية. والخولة هي
الظبية / الغزالة. ومعاني هذا الاسم راسخة في النعيم والجمال. يقول طرفة بن العبد:
لخــولةَ أطلال ببـرقـة ثـهمـد
|
|
تلــوح كبـاقي الوشم في ظاهر
اليد
|
وتبسِـمُ عنْ الْمَى كأنّ منـــوّرا
|
|
تخــلّل حرّ الرّمـل دعـصٍ لهُ نَـدِ
|
ذِكـــرى:
اِسـم ذكرى يعني الاذدكار والتذكير، ويعني الذكر
باللّسان والقلب. وكاتب هذه الكلمات له أبيات كثيرة في ذكرى منها:
عصيّــة أنت يا ذكـرى كما الحلمُ
|
|
ما كـنت أحسبنــي ألقاك في الحُلمِ
|
لمّـا عشقتـك يا ذكـرى أتى
الوجعُ
|
|
شعــرا فأنطقـني في الحبّ والحكمِ
|
لو حال بيْني وذكرى قاطف المهــجِِ
|
|
أرسـلتُ شعري لـها في قمّة
الهـرمِ
|
رابــعةُ :
اِسم رابعة من
ربيعٍ رابعٍ بمعنى المخصبِ.
ولكاتب هذه السطور بعض الأبيات في بعض القصائد حول
رابعةَ منها:
أَرابـعة الجـوى كيـف المسيــرُ
|
|
إليــك ، ترسّـلي فأنا أسيــرُ؟
|
أحبّـك أنت رابعــة الجمـــال
|
|
ومن يهـواك أنـت هـو الشهـيرُ
|
أرابــعة الحنــان أنا صغيـــرٌ
|
|
ولكنّ الهـــوى عنــدي كبيرُ
|
رفـــقة :
اِسم رفقة من الرفق ويعني لين الجانب واللّطف وهو ضدّ
العنف ، والرفق كلّ ما استعين به.
يقول يحي بن طالبٍ:
إذا ارتحلت نحو اليمامـةِ
رفـقــةُ
|
|
دعـاني الهوى وارتاح قلـبي إلى
الذِّكرِ
|
رُوَيْــقُ:
اِسم رُويْق إخال أنّه تصغير للرّوْقِ والرّوق من الشباب
أوّله ورونقه، والرّوقة أقرب أيضا إلى رويق وتعني الجمال الرائق. إنّ هذا الاسم
راسخ في دلالة الرائق والرائع/ الجميل، ويقول زياد بن جميل مخاطباً حبيبته:
رويــقُ إنـي وما حجّ الحجـيجُ
لهُ
|
|
و ما أهـلّ بجنبـيْ نَخْلَةَ
الحُــــرُمُ
|
لم ينسـني ذكـركم مُـذ لم ألاقكم
|
|
عيْـشٌ سلوت به عنكم ولا قـــدمُ
|
ولم يشاركك عنـدي بعــد غانيـةٌ
|
|
لا والذي أصبحـت عنـدي له نعـمُ
|
ريّـــا:
اِسم ريّا
وهو مؤنّث الريّان ويعني الريح الطيّبة. والريّان هو الذي ارتوى من الماء وامتلأ .
والريّان الناعم والأخضرُ من الأغصان وغيرها. ويقال فرسٌ ريّانُ الظهر إذا سَمِنَ
متناهُ. ووجْهٌ ريّانُ : كثير اللّحم.
يقول
الصِّمَّةُ بن عبد الله القشيري:
حَنَنْتَ إلى ريّـا و نفسك باعــدت
|
|
مزارك من ريّا وشِـعْـبَاكُـمَا مـعا
|
فمـا حسـنٌ أن تأتيَ الأمـر
طائـعا
|
|
وتجــزع أن داعـي الصبابة أسمـَعَا
|
زينــبُ:
يحمل اِسم
زينب دلالات سلبية مثل الجبان، وأنّ الزينب نبات بصليٌّ . لكنّه يحمل بلا شكّ
دلالات ايجابيّة ، فهذا النبات البصليُّ من فصيلة النرجسيّات أزهاره جميلةٌ بيضاء
اللّون فوّاحة العرف، وهاهو الشاعر
النميريّ يرسخ هذا المعنى في قوله:
تضوّع مسْكًا بطن نعمان أن مشـت
|
|
بـه زينـب في نســوةٍ عطــراتٍ
|
سكيْنــةُ :
لاسم سكينة
دلالتان ، الأولى تَعْنِي الأتان الوحشيّة / مؤنّث الحمار الوحشيّ والثانية دلالة
على الإنسان بمعنى المرأة خفيفة الروح والظريفة النشيطة.
يقول عمر بن أبي ربيعة في شأن سكينةَ :
قالت سكينــة والدمـوع ذوارف
|
|
منها عـلى الخدّيــن والجلبــابِ
|
ليت المغيــريّ الذي لم
أجِـــزْهُ
|
|
فيــما أطـال تَصيُّــدي وطِلابي
|
أسكيــنَ ما ماءُ الفرات
وطيبــهُ
|
|
مـنّا على ظمإٍ وحَـبِّ شـــرابِ
|
بألذَ منكِ وإنْ نأيْـتِ ،
وقلّمـــا
|
|
ترعى النّـساء أمـــانة
الغُيّــابِ
|
سلــمَى :
اِسم سلمى جذره مشترك مع السِّلم والسّلام وهي دلالات أقرب إلى النفس
البشريّة المحبّة للطمأنينة والخير. وأقرب اسم إلى سلمى هو السَّلْمُ وهو الدّلوُ
بعروة واحدة. ولكن سلمى عند الشعراء هي محبوبة تظلّ ترحل وتغيب عن حبيبها وهي
سَمِيّةُ اِسم آخر هو سُلَيْمَى، يقول الشاعر سوّارٌ بن مضَرّب:
تغنّـى الطائران ببـيْن سلْــمـى
|
|
على غصنــين من غربٍ و بان
|
فكـان البان أن بــانت سليْـمى
|
|
وفي الغـرب اغترابٌ غيـر دان
|
وقال شعر آخر في سلمى:
سأكـتم حبّـها بالغيـب مـا لـم
|
|
ينــمّ بــه التنفّــس و الدّمـوعُ
|
وما مـــن ساعة إلاّ لسلـــمى
|
|
وإن بخلــت إلى النّفـــس شفيـعُ
|
سُلَيْـــمى :
سُلَيْمى جعلت الأرض جميلة
بجمالها ، ودفعت الشاعر إلى حبّ الأرض يقول شاعرٌ:
أحبُّ الأرضَ تسكنــها سليْمــى
|
|
وإن كانت توارتْـهــا الجــدوب
|
وما دهري بحُــبِّ تُــرابِ أرضٍ
|
|
ولكن مــن يحــلّ بها حبيــبُ
|
وها هو المهديّ بن الملوّح يرى الحبيبة سبَبًا في نزول الغيث بالبلاد التي
هي فيها:
سقـى بلـدًا أمسـتْ سُـليِْمى تحلّه
|
|
من المــزن ما تـروي به و تَــسيمُ
|
ومرّة ثالثة نتأكّد يقينا ارتباط
سُلَيْمَى بالأرض والبلاد.
فها هو مرداس بن أبي عامر يرى الخصب في مكان حلّت به سُلَيْمى:
وحلّت سُلَيْمُـى في هضابٍ
وَأَيْكَــةٍ
|
|
فليــس علـيْها يـوم ذلك قــادرُ
|
وألقت عصاها واستقـرّت بها النّـوى
|
|
كما قــرّ عيْـنًا بالإيــاب المسافرُ
|
سُعْــــدَى :
اِسم سُعدَى من السّعادة أي
حالة الرضاء وطيبة النفس. ولعلّ أن يكون السّعدان أقرب لاسم سُعدَى ويعني الجذلان
البهِجِ.
و سُعدى مستبدّة بقلب عاشقها ناسية لأيّام الصّبى واللهو معه.
يقول بشّار بنُ بُرْدٍ:
فقلت لِسُعْـدى شافـعٌ من مودّتـي
|
|
إذا رُمْـتُ أخرى ظلّ في القلب يقـدحُ
|
أنــاسيةٌ سُعدى هوائيَ بـعدَمَــا
|
|
لهونـــا بهــا عصـرًا نخفُّ
ونمزحُ؟
|
طَيْــــــبُ:
هذا الاسم هو هكذا بفتح
الطّاء. وهو أقرب إلى دلالة الطّيب الذي منه كلّ ذي رائحة عطرة. والأفضل من كلّ
شيء.
يقول بعض بني أسْد :
تبِعت الهوى
يا طَـيْب حتّى كــأنّني
|
|
من أجلك مضـروس
الجرير قـؤُودُ
|
وإنّـي لأرجو الوصلَ منـك كما رجَا
|
|
صَدِي الجوف مـرتادًا كُـدَاه صَلُودُ
|
عَــبْـلَـةُ:
اِسم عَبْلَة نعتقِد أنه
مؤنّث العَبْل ويعني الضّخم من كلّ شيءٍ. والعبلاءُ الصخرةُ البيضاءُ. وهنا تجتمع
دلالتان هما الضخامة والبياض وهما صفتا جمال في المرأة العربيّة القديمة.
يقول عنترة بن شدّاد:
يا دار عـبلة بالـــجِواء تكلّـمي
|
|
وعِـمي صَبَـاحًا دارَ عبْلـة واَسْلَمِي
|
ولـئن سألت بـذاك عـبلة خبَّـرتْ
|
|
أن لا أريد من
النســاء ســواها
|
عَـــــزَّةُ:
اِسم عزّة من العزّ وهو الرفعةُ خلاف الذلّ. والعزّة
المرّة من عَزَّ وتعني بنت الظبية / الغزال الصغير.
ولقد اشتهر الشاعر كُثَيّر باسم
عزّة حتّى لتقول العرب كُثَيْرُ عزّة كما تقول جميل بثينة أو مجنون ليلى.يقول
كثير:
إذا ذرفـت عيْناي ، أعتلّ بالقــذى
|
|
وعــزّة لو يــدري الطّبيب، قذاهما
|
وحـلّت بهــذا حلّةًً، ثمّ أصبحـت
|
|
بأخــرى ، فطاب الواديـان كلاهما
|
ويقول كُثير في مقام آخـر:
قضى كلّ ذي ديـن ، أراد قضــاءه
|
|
وعــزّةُ مَمْطُــولٌ معنّــى غريمها
|
وقــد علمتْ بالغيْبِ أن لا أودّهـا
|
|
إذا أنا لـم
يكــرم عليّ كــريمها
|
عَفْــــرَاءُ:
العفراء مؤنّث الأعفر وهو من
الظباء، ويعني ما يعلو بياضَه حمرةٌ . وهي عفراءُ : جمع عُفْرٍ . ولها معنيان،
الأوّل نوع من الظباء وهو أضعَفهما عدْواً موطنه الجزيرة ويكثر في الشّام.
والثّاني الأرض البيضاء لم تُوطأ.
يقول عروة بن حزامٍ :
وإنّـي لتعروني لــذكراك فتــرة
|
|
لها بين جلــدي والعظام دبيـــبُ
|
عشيــّةََ لا عفْراء
منـك بعيـدة
|
|
فتدنُـو ولا عفراء منــك قريــبُ
|
لئـن كان
بـردُ المـاء حرّان صاديا
|
|
إلــيّ
حبـيـبًا ، إنّـها لحبيــبُ
|
عـُنَـيْــــزَةُ :
إخال أنّ اِسم عنيزة تصغير لاسم عنْزٍ
بغير ألف ولام. ويعني الأنثى من المَعَزِ. ويعني أيضا أنثى الحُبارى والنسور وصخرة
في الماء وأرضًا ذات حزونة ورمل وحجارة . هذه معاني العنز.
ويبقى اسم عنيزة اِسم المرأة المعشوقة لدى اِمرئ القيس.
ولسائل أن يسأل فيقول هل يُعقل تسمية امرأة باسم حيوان؟
فنجيبه نعم كانت العرب تسمّي الانسان بأسماء الحيوان مثل صقر وسرحان وثعلبة
وريم وهو سمي الرّئم. "والعرب إنّما كانت تُسمّي بكلبٍ وحمار وجُعلٍ وحجر
وحنظلة وقرد على التفاؤل بذلك. وكان الرّجل إذا ولد له ولدٌ ذكرٌ خرج يتعرّض لزجْرِ
الطّيرِ والفأل فإن سمع انسانا يقول حجرا سمّى ابنه به وتفاءل فيه الشدّة والصلابة
والصَّبْرَ.وكذلك إن سمع إنسانًا يقول ذئبًا أو رأى الذئبَ تأوّلَ فيه الفطنةَ
والخَبَّ والمكرَ والكسبَ وإن كان حمارًا تأوّل فيه الحراسة واليقظة وبُعدَ
الصّوتِ وغير ذلك"
(3) ألست ترى
أيّها القارئ جمال هذه الأسماء؟!
يقول امرؤ القيس:
ويوم دخلــت الخِدْرَ خِدْرَ عنيــزة
|
|
فقـالـت لك الويـلات ُ أنّك مرجلي
|
تقـول وقد مال
الغبيط بنـا معًــا
|
|
عقرت بعـيري يا امرئ القيس فانـزل
|
فَاطمُ / فاطمـة:
الفاطمُ والفاطمةُ من
النّياق وغيرها تعني التي فُطِم ولدُها
عنها. هذه هي دلالات اِسم فاطم التي تغنّى بدلالها امرئ القيس إذ يقول :
أفـاطمُ مهـلاً بعــض هذا التـدلّل
|
|
وإن كنت قد أزمعت صـرمي فأجملي
|
أغـرّك مـنّـي أنّ حبّــك قاتـلي
|
|
وأنّـك مهـما
تأمري القلب يفعـل
|
لُــــبْنَى:
اِسم لبنى يعني جنس شجر له
لبنٌ كالعسل وربّما يُتَبَخَّرُ به لطيب صمغه السائل. ويعنينا أنّ اسم لُبنى فيه
دلالة ايجابيّة هي الطّيب. يقول قيس بن ذريح:
بَكيت نعَــمْ بكــيت ، وكلّ إلف
|
|
إذا بـانت قرينتـــه بكـــاها
|
ومــا فـارقـت لبنى عـن تقـالٍ
|
|
ولكنْ شقْــوةٌ بلغــت مــداها
|
وأنت بـذكر لُـبْنَى مـسـتـهـامٌ
|
|
معنَّـى حيث ما شحــطت نـواها
|
ويخاطب كثير عزّة قلبه الذي يدّعي صبره على هجر
لبنى. وهو في ذات الوقت يشكو من الدهر والوشاة أعادي العشاق والعشق:
أحدَّثـتـني يا قلبُ أنـّك
صابــرُ
|
|
على الهجر من لبنى فسوف تـذوقُ
|
سعى الدّهر والواشون بيـني
وبينـها
|
|
فقطِّـعَ حبل الوصلِ وهـو وثيـق
|
وقد يقترن الحبّ عند قيس بن ذريح بالغواية والضّلال، يقول:
فـإن يَـكُ
تَهيامي بلبنى غوايــةً
|
|
فإنّـي ، وربّ الرّاقصات،
غويــتُ
|
فيـا ليت أنّـي مِتّ ُ قبـل
فراقـها
|
|
وهل يُرجــعن فوت القضيّة لَيْـتُ
|
ألا حيِّ لُبـنى اليوم إن كنت
غاديـا
|
|
وألْـمِمْ بـها إلمـامَ أنْ لا
تلا قــيا
|
أرانـي إذا صلّيتُ أقبلتُ نحـوهـا
|
|
بوجـهي، وإن كان المصَـلَّى
ورائـيا
|
ومـا بـي إشـراك ولكنّ
حبَّـها
|
|
كعظم الشّجا أعـيى الطبيب المـداويا
|
لَمِــــــيسُ:
اِسم لميس جميل فيه سلاسة
وعذوبة في نطقه!! فما بالك في دلالته فاللّميس هي المرأة الليّنة الملمس.
يقول شاعروهو يتمنّى أن يلقى
حبيبته في بلد لا أحَد فيه ولا رقيبَ:
يَــا ليْتَنـي وأنــت يـا لَميـسُ
|
|
فــي بلد ليــس بـها أنيـــسُ
|
مَـــاوِيَــــةُ:
لهذا الاسم / ماوية دلالتان
فهو أوّلا بمعنى المرآة . وثانيا بمعنى السّائل الذي تتحلّل فيه المواد المغذّية
ويتصاعد في النّبات فيتغذّى به.
ولقد تغزّل جرير وهو أحد ثلاثة شعراء هجّائين كبار وهم الأخطل والفرزدق
وجرير ذاته وهو القائل في ماوية:
لقد قادنــي من حبّ ماوية الهـوى
|
|
ومـا كان يلقاني الجـنـيـبـةُ
أَقْوَدَا
|
مُـــــــنَى:
اِسم منى من التمنِّي ويعني
تعلّق النّفس بالآمال والأحلام.
والمنيةُ والمأمول والتمنّيات لها صلة بهذا الاسم. وفي مجال العشق تبقى
مُنَى أملا مأمولاً!!
يقول كاتب هذه السطور في قصيد
بعنوان سحر العيون من ديوان صهيل الروح :
لـي في عيونـك يا منى ما أشتــهي
|
|
حـبّ ونظــرة عاشق وتجمّــــل
|
الحـــسن في عينيك أصبح فتنــةً
|
|
فالسّحـر في نـظراتـها متكامـــلُ
|
لا تغمـضي عينيك إنّـي يا منــى
|
|
ما زلــتَُ في
أسـرارها أتوغّـــلُ
|
مَـــــيَّ / مَيَّــــةُ:
لم نعثر على شرح لكلمة ميّ أو
ميّة فما آتسع في المعجم لكلمات أخرى ضاق عن ميّ / ميّة ولم نجدها في المعجم الذي
اعتمدنا . ويا للأسف!!
ولكنْ يظلّ الشعر فضاء شاسعا لا يضيق عن ميّ / ميّة !!
قال شاعرٌُُ:
هـل الحـبّ إلاّ زفـرة بعـد زفـرة
|
|
وحَرٌّ على الأحشــاء ليس له بَرْدُ
|
وفيضُ دمــوع العـيْن يا مَيَّ كلّـما
|
|
بـدا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو
|
وقال نُوَيْفع بن لقيط الفقعسيّ:
كأن لـم تـكُ النوار منّـي قريبــة
|
|
ولـم يمــس يومًا ملكــها بيميـني
|
وما زادنـي الواشـون يا مَيَّ شـافعُ
|
|
بكم وتراخــي الدّار غيـر جنــون
|
وتبدو مَــيَّ كأنّها عِطْــرٌ تتعطّر به
روح الشاعر فيفضّلها على الخُزامى وعود الأراك وطيّب النَّبْتِ، يقول القُطامِيُّ:
وما ريحُ قَــاعٍ ذي خزامى وحنوة
|
|
لـه أرجٌ من طَيِّبِ النبـتِ
عَــازب
|
بأطيَـبَ مـن مَيَّ إذا مــا
تقلّبـتْ
|
|
من الليْـل وسَـنى جانـبًا بعد
جانِبِ
|
ويتميّز الشاعر ذو الرمّة في إضافة التاء لاسم
مَيَّ فتصبح مَيَّةَ إذ يقول في سياق تغزّله بحسن ميّة وجمالها الحسّي:
إذا راجعــتك القول ميّة ُ، أو بدا
|
|
لك الوجه منـها أو نضا الدّرع سالبهْ
|
فيا لك مـن خدّ أسيل ، و منطـٍق
|
|
رخيـم ومـن خلـقٍ تعـلّل حـادبهْ
|
نُعْـــمٌ:
اِسم نعم هو من النّعم ويعني
الرّغد وطيب العيش.
يقول قيس بن الحُدَاديّة:
أجَـدَّكَ إن نُعْـمٌ نأتْ، أنت جـازعُ
|
|
قــد اقتربـت لو أنّ ذلك نافـــعُ
|
قــد اقتربـت لو أنّ في قرب دارها
|
|
جِــداءً ولكن كلّ مــن منَّ مانـعُ
|
وهاهو شاعر آخر يعبّر عن حزنه لبعد حبيبته
نُعْمٍ عنه فهو يراها مثل النجم بعيدة المنال ، فليس له إلاّ أن يراها مجرّد رؤية
، إنّه المنذر بن الجعد:
كفــى حَـزَنًا ألاّ يـزال يعـودني
|
|
على النّـأي طيْفٌ من خيالك يا نعـمُ
|
وأنـتِ كمـثل النّجم في البعد هل لنا
|
|
مــن النجم إلاّ أن يقــابلنا الـنّجمُ
|
نَــــوارُ:
النّوارُ من النساء هي
النَّفورُ من الرّيبة ، فاسم نوار يعني فيما يعنيه هذه الدلالة على النّفور والشكّ
وعدم الاطمئنان. لكن ماذا يقول الشاعر في حبيبته نَوارُ؟
يقول لبيد بن أبي ربيعة:
بل ما تذكّــرُ من نوارَ وقــد
نأت
|
|
وتقصّعــتْ أسبــابها ورِمامُــها
|
مُرّيَّــةٌ حلّـت بِفَيْدَ
وجـــاورت
|
|
أهل الحجـارِ فـأين منك مرامــها
|
أولم تكــن تـدري نــوارُ
بأنّـني
|
|
وَصَّـالُ عَـْقدِ حبائـــل
جذّامـُها
|
قد بِتُّ سامـرهَا وغايــة تاجــرٍ
|
|
وافيـتُ إذْ رُفِـعـتْ وعـزَّ
مُدَامُـها
|
هُــرَيـْرَةُ:
اِسم هريرة هو تصغير الهرّة . والهريرة تعني
أيضا نظام ازهرارٍ مركّب من سنبلة عليها
أزهار وحيدة الشِّق ِّ تبدلت من كأسها وتُوَيْجِها حراشفُ بسيطة مثل الجون وهريرة
الحور.
لقد تغنّى
شاعر جاهليّ باسم هريرة وذلك دليل على وجود هذا الاسم منذ القديم ولكنّه في عصرنا
لا نكاد نعلم له مُسَمّى.
يقول الأعشى:
ودّع هريـرة إنّ الركب مرتحـــل
|
|
وهـل تطيق وداعــا أيّـــها الرجـلُ
|
|
غَرّاء فرعــاء مصقـول عـوارضها
|
|
تمـشي الهـوينى كما يمشي الـوجي الوحِلُ
|
|
كأنّ مشيتــها من بيـت جـارتها
|
|
مـرّ السحــابة لا رَيْــث ولا عجــلُ
|
إنّ الصفات
التي ألبسها الشاعر لهريرة مثل فرعاء ومصقول عوارضها لا تأتلف مع التصغير في الاسم
فصفاتها هي عكس ما يشفّ عنه الاسم. وهذا دأب الشعراء وهو إطلاق المعاني والمبالغة!!
هِنْـــــــدٌ:
اِشتهر اِسم هند من خلال الشعر الإباحي مع عمر
بن أبي ربيعة شاعر الاباحيين وفاتح القول في الغزل الإباحي وهو الذي على طرف
النقيض مع شاعر العذريين جميل بن معمّر أو جميل بثينة.
يقول عمر
بن أبي ربيعة:
ليت هنداً أنجــزتنا مــا تـــعد
|
|
وشـفـت أنفســنا مـمّـا تجــدْ
|
غــادة يفْــتَرُّ عن أَشنَــــبِهَا
|
|
حـــين تجـلوه أقــاحٍ أو بــردْ
|
كـلـمـا قـلتُ متــى ميعـادنا؟
|
|
ضحكت هنـدٌ وقـــالت بعد غَـدْ
|
هَيْفــــاءُ:
لاســــم
هيفاء صلة بفعل هَيِفَ يهيَفُ هَيْفًا بمعنى ضَمُرَ بطنُهُ ورقَّتْ خاصرتاه وهذا
الاسم فيه دلالة على صفة مادية لجسد المرأة . فالشاعر العربيّ يقول في وصفه
لحبيبته :" هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة" هكذا أو بعبارة أخرى والمهم أنّه يصوّر الجسد في
امتلائه أو ضموره. فالمرأة بهذه العبارة ممتلئة في صورتها الخلفيّة وهيفاء ضامرة
في صورتها الأماميّة.
فما
عسى تكون هيفاء في نظر حبيبها؟ يقول شاعرٌ:
لقد آذنـت بالبـين هيفاء ليتــها
|
|
بـه آذنـتــنا والفـؤادُ جميـــع
|
لقد أصبح من لوازم الغزل بل من الأمور
الأكيدة أن يرتبط اِسم الحبيبة بالألم الذي تحدثه في حبيبها لكأنّ قدر الشاعر
العاشق أن يظلّ جرح القصيدة لديه ينزف تألّما وشكوى من بعد الحبيبة.
هذا هو مصير
الشعراء الذين سمّوا حبيباتهم ونعلم أنّ الأسماء أكثر ممّا ذكرنا ، مصير من تيّمه
العشق والجمال وظلّ طيف الحبيبة يُلاحقه في حلّه وترحاله.
ولقد مثّل التراث الشعري العربي القديم المعتّّق منهلا
لأجيال مازالت تتواتر ، ينهلون منه أسماء مواليدهم ومولوداتهم. وذلك راجعٌ إلى ما
تكتسيه هذه الأسماء من بريق وجاذبيّة لدى الأذن السّامعة للاسم واللسان الناطق به،
حيث يجد في نطقه سلاسة وحلاوة من قبيل ريّا
وعزّة ولبنى وهيفاء وميّ ورفقة ومنى وبثينة ولميس وخولة...
ومثلما قال مجنون ليلى قيس بن الملوّح:
أحبّ من الأسماء ما وافـق
اسمــها
|
|
أو أشبهـهُ أو كان منـــه
مُدانــيا
|
وهذا البيت يكشف أنّ الأسماء تتقارب ويحيل
بعضها على بعض ويذكّر بعضها ببعضٍ بل إنّ الاسم قد يحيلك على حضارة بأكملها أو
شاعر أو مدينة أو حرب أهلية مثلا، إذ اسم بلقيس يحيلك على حرب لبنان حيث قتلت
حبيبة نزار قباني فرثاها رثيا محزنا إذ فتح نزار من جديد باب الرثاء على أمّة
العرب ليرثي شعبا بأسره يموت كلّ يوم من خلال رثاء بلقيس.
يقول نزار قبّاني:
بلقيس أيّتها الأميره
ها أنت تحترقين
في حرب العشيرة...والعشيرة
ماذا سأكتب عن رحيل مليكتي؟
إنّ الكلام فضيحتي...
ها نحن نبحث بين أكوام الضحايا...
عن نجمة سقطت... وعن جسد تناثر كالمرايا...
ها نحن نسأل يا حبيبه إن كان هذا القبر قبرك أنت...
أم قبر العروبة؟؟
وإذا كان ثمّة شعراء أفصحوا عن أسماء
معشوقاتهم ، فثمّة من لم يفصح عن اسم حبيبته أو من أُعجِب بها، فأملت عليه القصيدة
. فهاهو الشاعر أبو نوّاس يسمّي المعشوقة بصفاتها دون أن يصرح باسمها لكنّه
يسمّيها بكنايات واستعارات من الطبيعة والكائنات الحيّة مثل أن يقول:
سقى الله ضبيا مبدي الغنــج في الخـطر
|
|
يميـسُ كـغصن البان من دقّـة الخِصرِ
|
هــو البــدر إلاّ أنّ فيـه مــلاحة
|
|
بتفتيـر لحظٍ ليس للـــشّمس والبدرِ
|
ويقول أيضا :
ومعشـوق الشّـمائل والــدّلال
|
|
كـقرن الشّـمس في قـدّ الغزال
|
تأزّر بالـملاحــة وارتـــداها
|
|
و سُـربِلَ بالجـمال و بالكـمـال
|
ومهما سمّى الشعراء المرأة في شعرهم أو وصفوها بما هي عليه أو خضعوا في
ذلك إلى المقولة الأثيرة " أعذب الشعر أكذبه " فلن يجد القارئ نفسه في
كلّ مرّة أمام صورة واضحة كاملة الملامح . فحتّى في قصيدة " المغتسلة "
لأبي نوّاس ـ رغم محاولته نحت صورة كاملة للمرأة ـ لا تشفي غليل العين والفكر
في الظفر بمثال للمرأة المعشوقة.
ما السبب
في ذلك؟
السبب على ما
نعتقد هو النظرة أحاديّة الجانب للشاعر العربي للمرأة فكأنّه يراها بعين واحدة.
هذا هو بيت القصيد!!
نعم،
وإلاّ فما هو مبرّر اتكاء شاعر يُعَدُّ أكثر الشعراء رقّة و رومانسية على الكناية والاستعارة دون التصريح . إنّه أبوالقاسم الشابي
الذي أذهل قرّاءه في قصيد " صلوات في هيكل الحبّ" والذي خاطب المرأة
بحبّ فيّاض وروح محلّقة في المثل وفي الماوراء. حيث المرأة كائن مركّب خياليّ
وليست كائنا بسيطا موجودا في الواقع.
يقول
الشابي:
يا ابنـة النّـور إنّـني أنا وحــدي
|
|
مـن رأى فيــك روعــة المعـبود
|
إنّ عبارة
" يا ابنة النور " تجعل المرأة كما يراها الشابي كائنا نورانيّا والنور
هنا هو الله، وهذا ارتقاء بها عن معنى عنصر الخلق وهو التراب فهنا مفارقة شعرية
وجوديّة . وفي عبارة " إنّني أنا وحدي..." دلالة على أنّ الشاعر وحده
يفهم المرأة الكائن المشحون بالمفارقات وإلاّ فكيف تقدر اللغة على الافصاح عمّا
يدور في خلد الشاعر أو كيف لا يكون الأمر كذلك والشاعر وحده يرى ما لا يراه
الآخرون؟؟!
المصادر والمراجع:
1 ـ مصطفى بوهلال ـ مقال: "في خارطة الأسماء" ،
مجلّة المنهل . العدد 523 المجلّد 57 جوان 1995 ص 75.
2
ـ د. أحمد درويش : مقال " مستويات شعر الغزل عند العقاد " . مجلّة عالم
الفكر . المجلّد 21 العدد 23 جانفي / مارس 1992 ص 122.
3 ـ مصطفى بوهلال : مرجع سابق نقلا عن الجاحظ في " الحيوان " ج 1 ص 324
الأبيات الشعرية : مأخوذة من المصادر
والمراجع التالية:
·
التذكرة السّعدية في الأشعار
العربيّة: تأليف محمّد بن عبد الرحمان العبيدي. تحقيق الدكتور عبد الله الجبوري .
طبعة الدار العربيّة للكتاب. ليبيا ـ تونس.
·
شرح المعلّقات السبع : الزوزني
ـ مكتبة المعارف بيروت لبنان 1994.
·
أغاني الحياة : ديوان أبي
القاسم الشابي. دار المعارف سوسة ـ تونس. ط 3 مارس 1992.
·
ديوان صهيل الروح : محمود غانمي
. مطبعة دنيا ط 1 فيفري 2000.
شروح الأسماء لغويا: أخذت من قاموس " لاروس " المعجم
االعربي الحديث ، تأليف الدكتور خليل الجرّ ـ مكتبة لاروس مونبارناس باريس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق