بحث هذه المدونة الإلكترونية
الثلاثاء، 29 ماي 2012
الاثنين، 14 ماي 2012
الأربعاء، 9 ماي 2012
موسيقى صامتة و حزينة جدّا
موسيقى صامتة و حزينة جدّا ...!!
الإهداء: الى الفنانين الأتراك وحدهم دون العساكر و السياسيين ...؟؟؟
أيّها الأتراك غنّوا
اعزفوا الحبَّ و غنّوا
إنّما الحبُّ جمالٌ و شعورٌ
و شجون و لحونْ
عزفكم لحنٌ شجيٌّ أنطق الصّمتَ فغنّى
لحنكم روحٌ سرى في الرّوح
أنتُمُ بالعزف قد أيقظتُم ُ روحي المُعنّى...
***
أيّها الأتراك غنّوا
مَوْسِقُوا الحزنَ وغنّوا
إنّ موسيقاكُمُ في الشّرق لحنٌ من خلودْ
نحنُ منّا الجرحُ و النّزفُ
و منكُمُ اللّحنُ و العزفُ
لحنكم يرتقُ الجرحَ
و يزيدُ الرّوحَ بوْحَا
***
أيّها الأتراك غنّوا
اِعزفوا اللحنَ حزينَا
و ليكنْ حزنا و نوحَا
إنّ في قلبي حماما و سلاما و بلادا
من هديلْ و نواحٍ و بكاءْ
منْ جراح القدسِ نزْفي
في قباب القدس نصفي
سافر القلب إليها
***
أيّها الأتراك غنّوا
صمتُ موسيقاكُمُ
قدْ أنطق البحرَ فغنّى
اِعزفوا اللحنَ رقيقا و حريرا و سرابا
إنّما الموجُ هديلٌ و هديرٌ و بكاءْ
إنّ روحي نورسٌ بحريةٌ ألحانه
يعشق موج البحرِ ألحانا و أنغاماَ
***
أيّها الأتراك غنّوا
اِعزفوا للّيل موسيقاهُ
إنّ العشْقَ ليليٌّ
و شعرَ الحبِّ ليليٌّ
فخلّوا اللحْنَ ليْليًّا و غنّوا
اِعزفوا النّاياتِ نورًا
في ظلام الليل أو في فجر روحي
إنَّ روحي كبّلتها ضخرة الطّينِ فأنّتْ
و لعزف النّايِ حنّتْ
و شجوني من دجى القلبِ تدلّتْ
اعزفوا النّاياتِ و غنّوا
أدهشَ الرّوحَ حنينُ النّايِ
فذابتْ في خيوط الشّمسِ همساَ
***
أيّها الأتراك غنّوا
اعزفوا اللّحنَ
طيورًا و فراشا و وُرودَا
يرقُص الوردُ طريّا كالعذارى
كالفراشات الحسان الهاربات
أيُّ سحرٍ عزفُ هذا النّايِ ؟؟؟
روحٌ عانق الرّوحَ و غنّى
أمْ حبيبٌ عانق الحبَّ و جنَّ ؟؟؟
***
أيّها الأتراك غنّوا
اِعزفوا النّايات عزفَا
بدّدوا من روحيَ الخوفَ
.......
أطلقوها أيّها الأتراكُ سنًى
نحو الإلهْ
إنَّ قلبي مِعزفٌ للحبِّ
بالآهات غنّى
و لحزن النّايِ من قلبي حنينٌ من حنينْ
انفِخوا في النّايِ
مثْل الفجرِ فوق البحرِ يمشي
مَوْسِقوا الحزنَ و غنّوا
إنَّ موسيقاكُمُ في الشّرق لحنٌ من خلودْ
www.youtube.com/watch?v=KYQV6ZprNag
الخميس، 26 أفريل 2012
اليوميّ شعرا و استحقاقاته
قراءة في: " ديوان اليومي "
لمجدي بن عيسى
بقلم: محمود غانمي
سيدي بوزيد - تونس
تصدير: " يجب قراءة هذه الصفحات بتوتر كبير ، بتوتّر قراءة كبير، مؤمنين بما نقرأ ."
غاستون باشلار
- مدخل :
لعدم السقوط في التعميم والنمطية الغالبة في تقديم كتاب وقراءته قراءة غالبا ما تكون سطحية ، يقتضينا الأمر بعد اطلاعنا على الكتاب الشعري الجديد للتونسي مجدي بن عيسى والموسوم بــ: " ديوان اليومي " أن نبحث في بعض المفاهيم التي تؤسس شعرية هذه المجموعة أو هذا الــ"ـديوان " .من خلال العنوان تستوقفنا كلمة " اليومي " ومفاهيمها المتعددة. لقد قصد مجدي بن عيسى أن يسيّج قصائده في هذا الإصدار الجديد بهذه الدلالة أو الأفق " اليومي ". وقد وجدنا بعض المرادفات المفاهيمية لكلمة اليومي من قبيل الوقائعي ، الجزئي ، المديني و الهارب. وقبل السؤال عن إمكانيات هذه الدلالات/ المفاهيم في ما حوته المجموعة من قصائد ، تقتضينا الصرامة والدقة أيضا الإشارة إلى جذور الشعر اليومي لنضع تجربة مجدي في هذا السياق الإنساني والعربي .
الحداثة قدرها – وهذا هو الاعتقاد السائد - أن تأتينا من الغرب ، والفتوحات و الكشوفات في الشعر هي كذلك حيث دار في فرنسا في القرن العشرين سؤال مُلحّ : هل يشكّل اليومي مصدرا للإلهام الشعري؟ فالقارئ لعنوان كتاب مجدي " ديوان اليومي " يتوهم أنّ مادة الشعر و مداره هي أضيق دائرة يتحرك فيها الشاعر والأشياء الحميمية والشخصية والذاتية جدا للشاعر، و السؤال السابق يقلل إلى حدّ ما أو يشكك في قدرة اليومي على الارتقاء إلى الشعر/ الشعرية . لكن لليومي شعراؤه ومنظروه ففي إجابة على هذا السؤال الخطير: هل يشكل اليومي مصدرا للإلهام الشعري؟ يرى أبولنير في محاضرته حول" الروح الجديدة والشعراء" : " أنّ أقل شيء و حدث يومي يمكن أن يفتح أمام الشاعر ممكنات لانهائية للكتابة و أنّ اليومي هو منبع ثرّ للإلهام "[1].
وللإحاطة باشتراطات " شعر اليومي " – مع ضرورة الانتباه إلى كون اليومي هو هدف الكتابة وموضوعها أو غرضها – يعتقد أغلب النقاد أن هذا النوع الشعري - لا أعني الشكل طبعا – هو شعر مقابل للشعر الرؤيا الذي أسَّس له أدونيس عربيا. ومن أشهر شعراء اليومي الشاعر الفرنسي جاك بريفير. إن الحاصل إلى هذا الحد هو أننا سنظفر لدى مجدي بشعر ينأى عن الرؤيا بما هي شرط من شروط الغموض ، بمعنى أن قصائد اليومي ستتخفّف مما يعانيه قارئ شعر أدونيس الرؤياوي الموغل في الغموض بل الإبهام .
لا يمكن لشاعر مثل مجدي بن عيس وهو يكتب اليوم - أعني في زمن الحداثة وما بعد الحداثة - أن ينكر على نفسه وعلى القارئ انتماءه إلى تيار الحداثة . هذا بديهي ، لكن ما ليس بديهيّا ويثير التساؤل والإرباك هو أمور منها:
- عودة مجدي إلى قصيدة التفعيلة في أغلب قصائد هذه المجموعة وهو ما يتعارض ومبدأ قصيدة الحداثة /النثر و قد سبق قولنا أن شعر اليومي هو مقابل للشعر الرؤيا .
- وسّع مجدي دلالة اليومي الزمنية فلم يعد مفهوم اليومي رهين الآن ولا الجزئي ولا الذاتي بل أصبح ذلك المنفلت بعيدا في الزمان يقنصه الشاعر بصنارة الذاكرة و التاملات الشاردة وبحلمه للكلمات والعوالم ،أصبح ذلك الإنساني / الكوني غير المديني الضيق . لقد أصبح اليومي غير اليومي ، لكأن الشعر يفلت من كل تحديد و تسييج ، فلقد أكد بودلير أن قصيدة الحداثة / النثر تفتح الباب أمام استيعاب اليومي و المديني والهارب. ويرى بتلازم الرؤيوي مع اليومي .
- الغالب على اليومي ليس ذات مجدي بن عيسى الشعرية والإنسانية – فنسبته في مجموع القصائد قليلة – وإنما هو احتفاؤه بالأشياء / الموجودات من جهة إحساسه بها ، لم يفرد ذاته موضوعا لليومي بكل تفاصيلها وأبعادها . لكأن قدر الشاعر أن يحضر/ يوجد في الوجود فقط من خلال إحساسه بالموجودات وتسميتها ، مثله مثل المحرار الذي يتأثر بالحرارة فيسميها ويصفها . لماذا لا تكون أنا الشاعر هي المنطلق ومركز القول الشعري ؟ أو ليس اليومي هو الواقع الحقيقي لذات الشاعر التي تستدعي كل هوامش العالم و موجوداته لتحقق معنى إنسانية الشاعر وتمايزه عن أشياء العالم ، أم أن إنسان هذا العصر هو شيء ضمن أشياء العالم؟ إنها المفارقة بين القول الشعري والواقع الإنساني والفنّي للشاعر. وإنها أزمة الشاعر العربي الذي يسكت عن ذاته ليسمّي الموجودات وليس له إلا فضل الإحساس بها.
1- خصائص كتابة اليومي :
ككل التجارب الشعرية الحديثة والمعاصرة والتي تروم الحداثة شكلا ومضمونا مثلت تجربة مجدي ككل[2] وهذه المجموعة " اليومي " ملتقى لمؤثرات ثقافية ومعرفية فلسفية وصوفية طوَّعها لتفعيل تجربته مع الوجود للارتقاء إلى مراتب من الإحساس متميزة ، يعبر عن ذلك عمق تفاعل مجدي مع الوجود وخاصة عالم الأصوات في خانة الموسيقى والطرب . فهو شاعر يرهف السمع والإصغاء لعالم كله إيقاع وموسيقى وطرب رغم نزوعه إلى قصيدة النثر في الأغلب الأعمّ .ما سر ذلك ؟
السر في ذلك أو بعضه هو ما استقر في أغلب تجارب شعراء النثر الشعري وهو ما يمكن تسميته بالكتابة الصوفية ، حيث لم يعد السؤال اليوم عن التجربة الحياتية للشاعر هاما ، بل الأهم هو التفطن إلى النظام المعرفي للكتابة الشعرية لدى جيل من الشعراء مثقف و مهوس بقصيدة النثر التي فجر روادها والمنظرون لها ومريدوها ينابيع كتاباتها الأولى عربيا وإسلاميا وهي ينابيع صوفية . و " لا يمكن فهم بنية الكتابة الصوفية إلا بفهم بنية النظام المعرفي الذي أنتج الكتابة ، حيث تخلصت من ربق القواعد والمعايير والقوالب الجاهزة المعدة سلفا لأنها كتابة خارجة عن سيطرة العقل ، من حيث هي كتابة فيض أو إلهام ، تحت قهر المكاشفة أو وطأة المشاهدة "[3].
2- كتابة اليومي و أزمة الشاعر:
يأتي انشغال مجدي باليومي إعلانا ( عنوان الكتاب ) و إحساسا وتجربةً بسبب الأفق الذي يصدر عنه الشاعر، الأفق الثقافي والحضاري والمعرفي وهو أفق عربي متأزم حيث في " قلب هذا التأزم تهبُّ زوابع عاتية تتمثل في الإلحاح على تناول القضايا اليومية و المصيرية "[4] فمجدي حاول أن يلامس ما هو مصيري جدا للإنسان أي الأشياء التي يمكن أن أسميها خبزا يوميا كالديمقراطية واليومي جدا مثل الإعلام والمعاش وغيره مما يعاني منه إنسان هذا العصر،جاعلا من أهم القضايا الحضارية والإنسانية شؤونا عائلية رغم اندراجها ضمن السياسي تماما وهذا وجه من وجوه الإحساس بالأزمة ، يقول في قصيد :" في البحث عن الديمقراطية : بعد لم نعترف / أننا ضائعون / في الطريق إلى هدف ندعيه / بعد لم نكتشف قارة ، / في الطريق إلى غدنا ، / حيث أوطاننا حرَّة،/ وحكامنا طيبون، /
....../ يبحرون بنا منذ قرن، / ولا أمل في الوصول، / و لا أمل في الرجوع "[5] ومن شؤون مجدي العائلية وهو شأن كل شاعر عربي ما جاء في قصيدة بعنوان" انتخابات عربية "يقول مجدي وفي لغة حذرة تلجأ إلى طقوس الافتراض والحلم : " البارحة / رأيت في المنام أنني أجدف / في البحر دون زورق ،/ والناس حولي يضحكون ،/ وكلهم يجدّف. / سألت عن تأويله ،/ فقال لي الخبير العارف : / تُمكَّنون حاكما / ومنه ترهبون[6].
ومن هذه الهموم و الشؤون العامة إلى هموم الشاعر الخاصة أعني شؤون الكتابة الشعرية وقد خصها مجدي بباب سمّاه أمتعة الكتابة فهاهو يقول معرجا على هموم الشاعر لديه في قصيد الكلمةْ:الكلمةْ،/ هذي التي بين يدي/ طيّبة وخيّرةْ / منذ مساءين وليل ، / و أنا أطلبها، / كي تدخل البيت الذي وقعته من أجلها[7]. أليس أكثر الأشياء يومية لدى الشاعر هي هموم الكتابة حيث الشاعر يعيش حالة من الاستنفار الشعري أبدية ينام ويصحو على هواجس الشعر؟
و إذا كان الاعتقاد النقدي الغالب هو أن اليومي هو ضد أو خلاف الشعر الرؤيوي فإن مجدي يمزج بين السِّمَتين الغموض والوضوح الموسوم به اليومي ، فقد حافظ على الإيغال في المجاز غالبا منزاحا إلى الرؤيا والتخييل، وهو قدر قصيدة النثر و شعريتها. فهو يقول في قصيد إبرة الصمت: أرسم الصمت في شكل إبرةْ / ما الذي سأخيط بها؟ / غير هذا الشتات، / شتات المعاني التي تتزاحم في القلب. يا إبرة الصمت قودي / خيوط الكلام / و شدي المعاني إلى بعضها / كي يكون لنا ما نريد، / خيمة في العراء،/ و شكلا لنا في الكلام جديد[8] . إن استعارة الإبرة للصمت له ما يبرره شعريا، فالشاعر حقه الكلام لا الصمت، فالصمت يؤلم الشاعر لأن قدره الكلام.إن مسؤولية الشاعر في الوجود هي قول ما لا ينقال و الكف عن الصمت القاتل المميت. قدر الشاعر أن يجهر بالحقيقة ويصدع بها. من خلال هذا التصور لمجدي وهذه الرؤيا يصبح للشاعر دور مهم في رتق أشلاء الوجود، إنه الوجود الذي يُحلِمنا به الشاعر .
إن شعرية اليومي تتأسس على تجاوز المعنى المألوف إلى خلق دلالات جديدة هي في الظاهر ضدُُّ لناموس اللغة غير الشعرية. أو ليس قول مجدي ..." كي يكون لنا ما نريد / خيمة في العراء" دالا على إرادة في إثبات المعنى المغاير و الجديد، إن الخِيام يُمكن أن تُضربَ في غير العراء في قاعة مغطاة في معرض للتراث مثلا فلا تكون في العراء هذا في زمن العولمة حيث أصبحت الخيام في زوايا التراث والحقيقة لا تنقال إلا في الزوايا الضيقة والعتمة!! . وفي ذلك عدول عن الأصل في الخيمة أن تكون في العراء / الصحراء .إن مجدي بن عيسى يعيدنا إلى لحظة أولى منفلتة في الزمان الغابر هو زمن الجاهلية ...لكن الأهم هو إحالة العراء على التجلي و الحقيقة. و ليس عودنا إلى تفسير / تأويل شعر الحداثة بدلالة قديمة إلا دليل على ما ترسب في ثقافة الشاعر، فكأنْ لا خيمة إلا في العراء.هذا هو هاجس الشاعر مجدي خيمة / حقيقة واضحة عارية من كل تزويق أو زيف أو تعمية .
و إذا أردنا التوغل في يومي مجدي يوهمنا عنوان الباب الثاني لمجموعته و الذي سماه بـ " شؤون عائلية " ، يوهمنا ذلك بالانغماس في متاهات اليومي ، و هو يسمي الأشياء و ينسبها إلى ضمير المتكلم إنما يشير إلى حالة موضوعية أكثر منها ذاتية . ففي قصيدة عنوانها بالفرنسية SDFيقول: لم أملك بيتا منذ نشأت / في بيت الأسرة عشت وعاشت أحلامي / متنقلة / بين الكلمات وبيني / .......... / الآن وقد رحلتْ / كفراخ الطير، و غادرت الأحلام منازلها ، / سأفكر في بيت الزوجة والأولاد، / بيت من حجر وحديد / أكتبه / في أرض صلبةْ[9] . بهذا المعنى الذي نستحضر فيه الذات الموضوعية غير المعلنة ، غير الأنا المتكلم في هذا النص على سبيل هم أو نحن ... يغدو شعر اليومي " سيرة تواكب تموضع الذات في وجودها الموضوعي لا الذاتي "[10]. وفي باب " أعمال الشاعر " من " ديوان اليومي" يظل الشعر على الشعر من هواجس يومي مجدي حين يقول من قصيدته " أستفسر الحكماء " : مستعجلا أجل الحقيقة ، أكتب الأشعار ، لا غرض سوى / هذا المديح الحر أرفعه لمعناها، / معنى الحقيقة وهي تعنت أو تلين[11] .
3- ما ليس يوميا أو أزمة كتابة اليومي :
إن قولنا بأزمة الكتابة هنا سببه عدم وجود أجناسية واحدة واضحة في هذه المجموعة فهي ترتكزعلى ثنائيات متغايرة أحيانا في النص الواحد مثل : النثري و الموزون / التفعيلة ، المعنى اليومي الواضح البسيط و الرؤيا التخييلية و اليومي والتاريخي ، وما لا يحدث يوميا أو يحدث في مناسبات سنوية أو أحيانا ما يلتقيه الشاعر في مرحلة من حياته فيعجب به مثلا في الشباب ويضرب عنه في مراحل أخرى أو العكس ، خاصة في التعبير عن الإعجاب بموسيقى ما ،وقد غلب على هذه المجموعة لدى مجدي الإحالة على أنماط من الموسيقى و سمَّى بابا فيها بــ: ألحان مصاحبة ، ونجد تكثيفا لمفردات معجم الموسيقى والغناء بدءا من عناوين القصائد من قبيل : موسيقى الله ، Charles Aznavour ، إنشاد صوفي ، طبول بورندي ،...، وارتجالات الجاز . وقد اشتغل مجدي على هذا المعجم : الموسيقى / الغناء ليعلن انشداد الشاعر إلى الألحان وتجذره في إيقاع الوجود معلنا اختيار وجهة حياته ولو ارتجالا: الزمي إيقاعكِ أيتها الأيام / فإنني سأرتجل حياتي /مرحا كطبيب / وجادا كمراهق[12] ويستعمل مجدي في ذلك أساليب بلاغية في هذا القول من قبيل الطباق :مرِحا ≠ جادا ليُكسب النص إيقاعه وفق معايير قصيدة الحداثة ،بمعنى إيقاع الكلمات.
كأنَّ مجدي يريد موْسقة شعر الحداثة الذي جعله متراوحا بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر ، موْسقة الموضوعات لا الإيقاع الهارب / المنفلت من ضوابط البحور الخليلية .وفي ذلك إرباك في مستوى تأثر الشعر ببقية الأجناس الفنية الأخرى ، المألوف هو التأثر في مستوى شكل القصيدة وإيقاعها من حيث لعبة السواد والبياض في كتابة الكلمات على الورقة ، وهذا ما أصّل له نقد الشعر الحديث .لكننا نجد مجدي يخصص قصائد أو بابا / فصلا من ديوان اليومي لموضوع الموسيقى و الغناء . فهل تحضر الأجناس الفنية كالموسيقى مثلا في الشعر شكلا أم موضوعا / مضمونا ؟ إنها تجليات اليومي من حيث هو انشداد إلى منابع الشعر و مناهل إيقاعه : الموسيقى والغناء والطرب في شعر لا يستمد شرعيته الإيقاعية من عمود الشعر / البحور الخليلية . إن مجدي مأخوذ ككل شاعر مرهف الإحساس بعالم الموسيقى وطقوسها على اختلاف مشاربها ومدارسها لأنّ الجامع بين ضروب الموسيقى هو تجلّي الروح الإنسانية ،ولا ننسى أن الموسيقى لغة عالمية .فقد جمع التطريب أو الطرب في نفس الشاعر ألحان الصوفية مع ألحان الجاز الصاخبة ، إنها خاصية الشعر . فـ" الشعر قوة نفسية فهو لا يُقوّي سوى النفس "[13] .
إن شعر اليومي في مفاهيمه الأولية التأسيسية هو دلالة على ارتباط الشاعر بالحياة اليومية وهو وجه من وجوه الحداثة التي نجدها في كل عصر إذ من معانيها الانخراط في اليومي فحتى الشاعر الجاهلي كان منخرطا في يوميِّه في أدق لحظات الهمِّ فكل شاعر / إنسان يريد أن يُمضي الهمَّ عند حلوله به بطريقته وبوسائل عصره / حداثته ، كأن يقول طرفة ابن العبد:
وإني لأُمضي الهمَّ عند احتضاره بعوجاءَ مرقالٍ تروح وتغتدي
فلا فرق بين ارتباط الشاعر الجاهلي بوجوده وركونه لإرقال ناقته يفرج به عن همومه وبين ارتباط مجدي بن عيسى مثلا بالموسيقى وسيلة للتفاعل مع وجوده و التعبير عن معاناته الوجودية في صيغة صوفية ملغزة في قوله في قصيد " إنشاد صوفي " : يا لطيبة هذه الملائكة ، / يا للطفها وتواضعها ، / تجلس إليَّ / أنا الغارق في ذنوبي / مسبل الأهداب ، منفطر القلب / من سماع إنشاد صوفيّ لنُصْرَتْ علي خَانْ[14] .لا فرق إذا في الظاهر ومن حيث الغاية وهي الإحساس بالوجود والالتفات إلى هموم الذات . لكن مجدي يربك المعنى حيث يعلن شقاءه و حزنه من سماع إنشاد صوفي فيربك المعنى في الظاهر ، فكأن الإنشاد هو منبع الحزن وهو المعنى الأول الذي يؤدي إلى معنى ثان وهو إحالة الإنشاد إلى وجود الشاعر ومعاناته منه ، فكأن الإنشاد يدقق رؤيا الشاعر ويعمق الوعي فيعي الشاعر أحزانه ومنابعها وأسبابها فتظل نفسه تشقى بالوجود من حولها في جو صوفي مهما تكن مداخله حتى لو كانت فنية وبالسماع ، أو ليست حواس الشاعر مداخل لتجربة الوجود ؟ فالشاعر حين يسمي شقاءه بالإنشاد مثله مثل الصوفي يرصد ما هو تجارب روحية إذ هي " معاناة وجودية عميقة ومعقدة "[15] .
4- ما لم يقله / يكتبه مجدي في اليومي :
الشعر في أصله منوط بالإحساس، فهذا الأخير آلة الشاعر في الارتقاء برؤيته للوجود وبوابة الرؤية هي الإحساس فـ " علامة الحياة الإحساس بالأشياء و الميت لا يحس بشيء "[16]. والشاعر إذ يعلن الشعر اليومي يسمي الحياة وعمق إحساسه بها ولا ريب . ومهما يكن عالم اليومي لدى مجدي و أفق ديوانه اليومي فإنه يثير في نفسنا الشاعرة أو البسيطة المهمومة إحساسا بمشاغل الشاعر مجدي بن عيسى نفسه في ما اتصل بالعنوان الاجتماعي للشاعر مجدي ، حيث مركزه الاجتماعي موصول بتفاصيل يومية ملحة وكذلك من جهة أنه إنسان متمركزة ذاته في عصر موسوم بحرارة اليومي . فأين ديوان اليومي من كل هذا الذي تحيلنا عليه كلمة " اليومي " في كل ما اتصل بحياة الشاعر ممارسة وإحساسا ؟ أم أن الشاعر يظل متعاليا ومغتربا عن الحياة حتّى وهو يستهدف اليومي؟ أيجوز أن نقول ما أقل الأشياء اليومية التي احتفى بها مجدي وهي تلاحقه و تؤرّقه يوميا بل في اليوم مرات ومرات ؟
الراجح أن مجدي – وهذه إرادة شاعر – قد غيّب كثيرا من دلالات اليومي ليترك للقارئ مساحة أوسع لمشاركته إعادة رسم ملامح شعر اليومي ، مثل المديني . أليس ازدحام المدينة اليوم كفيل بمدونة لليومي ضخمة، فما يتكرر يوميا بنفس الخطى ونفس المشاهد ونفس التفاصيل هو الجدير بأن نسميه اليومي . وسنحاول مجرد التذكير ببعضه ،
سفر الناس صباحا لتفاصيل الحياة في أسراب من العمّال و الدارسين و الباعة و الشحاذين و الحافلات بنفس المحطات بنفس السائقين ونفس الركاب ودلالتها على الرتابة واليومي المتكرر والسيارات وهي تعبر من نفس الطريق ونفس المنعطفات ، حركة المرور عموما و إشاراته وصفّارة الشرطي ، الشوارع وما تحويه من تفاصيل ، أصحاب المتاجر يفتحونها في الصباح ويغلقونها مساء ، المباني وشرفاتها والحدائق وجماعات العشاق ، زقزقة العصافير باعة الجرائد وتصفح العابرين لعناوينها ... والأهم من ذلك كله عندي هو تفاصيل الدرس ومعاناة المدرّس في ما يسمى غالبا مهنة الشؤم / التعليم أو التدريس الغائبة تماما عن ديوان اليومي علما وأن لكل إنسان / شاعر عنوان اجتماعي titre social ، نعتقد أنه أقرب المناهل لشعر اليومي وعنوان مجدي الاجتماعي – أستاذ اللغة العربية و آدابها – إننا لا نروم تعميق البعد الاجتماعي في هذه الدراسة ، ولكن يراودنا سؤال اليومي أين معاناة مجدي المدرّس مما سمّاه اليومي ؟
حين تحضر أنا الشاعر نجدنا أقرب إلى اليومي ، فأقرب دلالة لمجدي الإنسان هي في قوله في قصيد " أتأمل العمر" : أتأمّل العمر الذي قضيته ألهو مع الكلمات . كم درب قطعتُ / إلى منابعها السخية، كم عوالم في الكلام دحوتها . /فكأنّ لي / لغة مسوّمة ، و قامة فاتح ، و رؤى جساما[17] . الشاعر اليوم متّهم بالحياد ، بالتعالي عن هموم الإنسان اليومية لأنه مشغول بأحلامه وتأملاته الشاردة بعيدا في أفق أغلبه مجاز / كذب ومن هنا يحدث الطلاق بين الضمير الفردي للشاعر والضمير الجمعي له ، فكأنه يعيش – شعريا – لأناه الفردية لا لأناه الجمعية و " هل هناك " أنا " تتحمل مسؤولية الـ" أنا " المتعددة؟ " أنا " كل هذه الـ" أنا " التي تتحكم بكل كينونتها، بكل كينونتها الحميمة؟ كتب نوفاليس : إنَّ المهمة العليا للثقافة هي في تلك الذات المتعالية ، أن يكون الإنسان " أنا " " أناه " " Je " de son " Je " Le "[18]، هذه هي راية الحداثة في شعر اليومي ، الإنسان ابن عصره و زمانه ، فلماذا يسكت – إذا أراد أن يسمي اليومي – عن أكثر يوميِّه حرارة الخبز اليوميّ - العمل - وقد غابت ملامحه تماما عن يومي مجدي أعني ما يجعل مجدي إنسانا لا شاعرا صرفا ،أعني يومي التدريس وشغل التعليم . أليس هذا يوميّه الأكثر حميمية أم أنّ الصفة الاجتماعية أو العنوان الاجتماعي لا صلة له باليومي ؟
ما السر في غياب بلورة كاملة واضحة لليومي ؟ يقول أدونيس :" بدا الإنسان العربي و كأنه كائن غير تاريخي ، ضائع بين استحداثية تستلب ذاتيته و استسلافية تستلب إبداعيته و حضوره في الواقع الحي "[19] .إن مجدي بن عيسى يحيلنا كغيره من شعراء هذا العصر العربي - شعراء الحداثة المستلبة التي تحاذر تسمية العصر وتشخيصه وتشريحه وإدانته في وهنه واختلاله وسقوطه و.... حداثة لا تريد أن تتصادم مع الحقيقة لأنها لا تريد أن تدان بأنها حداثة بأتمّ معنى الكلمة تكون بنت تربتها ووقتها والأهم بنت يومها وإنسانها - يحيلنا مجدي على أزمة الكتابة الشعرية وأزمة الشاعر في انعكاس الانكسار اليومي للإنسان العربي على الشعر الذي يولد منقوصا بلا ملامح متكاملة ، حيث الانفصام بين لافتات / عناوين المجموعات الشعرية وبين متونها القصائد / المضامين التي لا نشكك في ما تحدثه من فتوحات شعرية لو قُرِأَتْ بمعزل عن عنوان " اليومي " مثلا ، وهي يافطة لها ثقلها في الشعر وحساسيتها في صلة الشعر بالراهن الحارق و الحداثي و الإنساني . و لعلنا نعذر الشاعر حين لا يجد مفرّا من هذا اللعب بالكلمات و حلم المعنى فيها كما يرى هو لأن الشعر اختراق و الشعراء هم سادة اختراق أي قانون و" ما هي القصيدة الشعرية الجميلة سوى جنون مرقَّع ؟ بعض من التنظيم الشاعري الذي نفرضه على الصور الغريبة ؟ ...إنّ التأملات الشاردة ، التأملات الشاردة المجنونة ، هي سيرة الحياة "[20].
[2] صدر للشاعر مجدي بن عيسى قبل " ديوان اليومي، أربع مجموعات شعرية هي : " احتراق الشذى"(1993) و"تقريظ الشهوة"(1998) و " نبالات مهجورة "(1999) و "مراثي القرن"(2005).
[3] أحمد بوزيان : الكتابة الصوفية، مقولة الأجناس الأدبية ، كتابات معاصرة العدد:73 المجلّد 19 تموز / آب
2009 ص: 73
ديسمبر2005 الجزء الـ2 طبعة 2009 ص : 124 .
[13] - أبو العباس البرنسي : قواعد التصوف منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط 3 2007 ص: 123
ص : 170
[15] - ناجي حسين جودة المعرفة الصوفية بيروت دار الجيل د . ط ، د. ت.- ص 170( عن عيسى أخضري كتابات معاصرة مرجع سابق )
[18] - غاستون باشلار شاعرية أحلام اليقظة / علم شاعرية التأملات الشاردة ترجمة جورج سعيد ط 2المؤسسةالجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت لبنان 1993 – ص
[20] غاستون باشلار: شاعرية أحلام اليقظة / علم شاعرية التأملات الشاردة ترجمة جورج سعيد ط 2 المؤسسةالجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت لبنان 1993 – ص148
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)